كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويبدو أنهم في دخلتهم على أبيهم، وقبل أن يفكوا متاعهم، عاجلوه بأن الكيل قد تقرر منعه عنهم ما لم يأتوا عزيز مصر بأخيهم الصغير معهم. فهم يطلبون إليه أن يرسل معهم أخاهم الصغير ليكتالوا له ولهم. وهم يعدون بحفظه: {فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنّا له لحافظون}..
ولابد أن هذا الوعد قد أثار كوامن يعقوب. فهو ذاته وعدهم له في يوسف! فإذا هو يجهر بما أثاره الوعد من شجونه: {قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل}..
فخلوني من وعودكم وخلوني من حفظكم، فإذا أنا طلبت الحفظ لولدي والرحمة بي..
{فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين}!
وبعد الاستقرار من المشوار، والراحة من السفر فتحوا أوعيتهم ليخرجوا ما فيها من غلال فإذا هم يجدون فيها بضاعتهم التي ذهبوا يشترون بها، ولم يجدوا في رحالهم غلالًا!
إن يوسف لم يعطهم قمحًا، إنما وضع لهم بضاعتهم في رحالهم. فلما عادوا قالوا: يا أبانا منع منا الكيل، وفتحوا رحالهم فوجدوا بضاعتهم. وكان ذلك ليضطرهم إلى العودة بأخيهم، وكان هذا بعض الدرس الذي عليهم أن يأخذوه.
على أية حال لقد اتحذوا من رد بضاعتهم إليهم دليلًا على أنهم غير باغين فيما يطلبون من استصحاب أخيهم ولا ظالمين: {قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا}.. ثم أخذوا يحرجونه بالتلويح له بمصلحة أهلهم الحيوية في الحصول على الطعام: {ونمير أهلنا}.. والميرة الزاد، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم.. {ونحفظ أخانا}..
ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم: {ونزداد كيل بعير}.. وهو ميسور لهم حين يرافقهم: {ذلك كيل يسير}..
ويبدو من قولهم: {نزداد كيل بعير} أن يوسف عليه السلام كان يعطي كل واحد وسق بعير وهو قدر معروف ولم يكن يبيع كل مشتر ما يريد. وكان ذلك من الحكمة في سنوات الجدب، كي يظل هناك قوت للجميع:
واستسلم الرجل على كره؛ ولكنه جعل لتسليم ابنه الباقي شرطًا: {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقًا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم}..
أي لتقسمن لي بالله قسمًا يربطكم، أن تردوا عليّ ولدي، إلا إذا غلبتم على أمركم غلبًا لا حيلة لكم فيه، ولا تجدي مدافعتكم عنه: {إلا أن يحاط بكم}.. وهو كناية عن أخذ المسالك كلها عليهم. فأقسموا: {فما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل}.. زيادة في التوكيد والتذكير.
وبعد هذا الموثق جعل الرجل يوصيهم بما خطر له في رحلتهم القادمة ومعهم الصغير العزيز: {وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}... ونقف هنا أمام قول يعقوب عليه السلام: {إن الحكم إلا لله}..
وواضح من سياق القول أنه يعني هنا حكم الله القدري القهري الذي لا مفر منه ولا فكاك. وقضاءه الإلهي الذي يجري به قدره فلا يملك الناس فيه لأنفسهم شيئًا.
وهذا هو الإيمان بالقدر خيره وشره.
وحكم الله القدري يمضي في الناس على غير إرادة منهم ولا اختيار.. وإلى جانبه حكم الله الذي ينفذه الناس عن رضى منهم واختيار. وهو الحكم الشرعي المتمثل في الأوامر والنواهي.. وهذا كذلك لا يكون إلا لله. شأنه شأن حكمه القدري، باختلاف واحد: هو أن الناس ينفذونه مختارين أو لا ينفذونه. فيترتب على هذا او ذاك نتائجه وعواقبه في حياتهم في الدنيا وفي جزائهم في الآخرة. ولكن الناس لا يكونون مسلمين حتى يختاروا حكم الله هذا وينفذوه فعلًا راضين.. وسار الركب، ونفذوا وصية أبيهم: {ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون}..
فيم كانت هذه الوصية؟ لم قال لهم أبوهم: لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة؟
تضرب الروايات والتفاسير في هذا وتبدى وتعيد، بلا ضرورة، بل ضد ما يقتضيه السياق القرآني الحكيم. فلو كان السياق يحب أن يكشف عن السبب لقال. ولكنه قال فقط إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها فينبغي أن يقف المفسرون عند ما أراده السياق، احتفاظًا بالجو الذي أراده. والجو يوحي بأنه كان يخشى شيئًا عليهم، ويرى في دخولهم من أبواب متفرقة اتقاء لهذا الشيء مع تسليمه بأنه لا يغني عنهم من الله من شيء. فالحكم كله إليه، والاعتماد كله عليه. إنما هو خاطر شعر به، وحاجة في نفسه قضاها بالوصية، وهو على علم بأن إرادة الله نافذة. فقد علمه الله هذا فتعلم.
{ولكن أكثر الناس لا يعلمون}..
ثم ليكن هذا الشيء الذي كان يخشاه هو العين الحاسدة، أو هي غيرة الملك من كثرتهم وفتوتهم. أو هو تتبع قطاع الطريق لهم. أو كائنًا ما كان فهو لا يزيد شيئًا في الموضوع.
سوى أن يجد الرواة والمفسرون بابًا للخروج عن الجو القرآني المؤثر إلى قال وقيل، مما يذهب بالجو القرآني كله في كثرة الأحايين!
فلنطو نحن الوصية والرحلة كما طواها السياق، لنلتقي بإخوة يوسف في المشهد التالي بعد الوصول: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون}..
ونجد السياق هنا يعجل بضم يوسف لأخيه في المأوى، وإطلاعه على أنه أخوه؛ ودعوته لأن يترك من خاطره ذكرى ما فعله إخوته به من قبل، وهي ذكرى لابد كان يبتئس لها الصغير كلما علمها من البيت الذي كان يعيش فيه. فما كان يمكن أن تكون مكتومة عنه في وسطه في أرض كنعان.
يعجل السياق بهذا، بينما الطبيعي والمفهوم أن هذا لم يحدث فور دخولهم على يوسف. ولكن بعد أن اختلى يوسف بأخيه. ولكن هذا ولا شك كان أول خاطر ساور يوسف عند دخولهم عليه، وعند رؤيته لأخيه، بعد الفراق الطويل.
ومن ثم جعله السياق أول عمل لأنه كان أول خاطر. وهذه من دقائق التعبير في هذا الكتاب العجيب!
ويطوي السياق كذلك فترة الضيافة، وما دار فيها بين يوسف وإخوته، ليعرض مشهد الرحيل الأخير. فنطلع على تدبير يوسف ليحتفظ بأخيه، ريثما يتلقى إخوته درسًا أو دروسًا ضروريةً لهم، وضرورية للناس في كل زمان ومكان: {فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون}..
وهو مشهد مثير، حافل بالحركات والانفعالات والمفاجآت، كأشد ما تكون المشاهد حيوية وحركة وانفعالًا، غير أن هذا صورة من الواقع يعرضها التعبير القرآني هذا العرض الحي الأخاذ.
فمن وراء الستار يدس يوسف كأس الملك وهي عادة من الذهب وقيل: إنها كانت تستخدم للشراب، ويستخدم قعرها الداخل المجوف من الناحية الأخرى في كيل القمح، لندرته وعزته في تلك المجاعة.
يدسها في الرحل المخصص لأخيه، تنفيذًا لتدبير خاص ألهمه الله له وسنعلمه بعد قليل.
ثم ينادي مناد بصوت مرتفع، في صيغة إعلان عام، وهم منصرفون: {أيتها العير إنكم لسارقون}..
ويرتاع إخوة يوسف لهذا النداء الذي يتهمهم بالسرقة وهم أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فيعودون أدراجهم يتبينون الأمر المريب: {قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون}.
قال الغلمان الذين يتولون تجهيز الرحال، أو الحراس ومنهم هذا الذي أذاع بالإعلان: {قالوا نفقد صواع الملك}.. وأعلن المؤذن أن هناك مكافأة لمن يحضره متطوعًا. وهي مكأفاة ثمينة في هذه الظروف: {ولمن جاء به حمل بعير} من القمح العزيز: {وأنا به زعيم}.. أي كفيل.
ولكن القوم مستيقنون من براءتهم، فهم لم يسرقوا، وما جاءوا ليسرقوا وليجترحوا هذا الفساد الذي يخلخل الثقة والعلاقات في المجتمعات، فهم يقسمون واثقين: {قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض}..
فقد علمتم من حالنا ومظهرنا ونسبنا أننا لا نجترح هذا..
{وما كنا سارقين}.. أصلًا فما يقع منا مثل هذا الفعل الشنيع.
قال الغلمان أو الحراس: {فما جزاؤه إن كنتم كاذبين}..
وهنا ينكشف طرف التدبير الذي ألهمه الله يوسف. فقد كان المتبع في دين يعقوب: أن يؤخذ السارق رهينة أو أسيرًا أو رقيقًا في مقابل ما يسرق. ولما كان إخوة يوسف موقنين بالبراءة، فقد ارتضوا تحكيم شريعتهم فيمن يظهر أنه سارق. ذلك ليتم تدبير الله ليوسف وأخيه: {قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين}.. وهذه هي شريعتنا نحكمها في السارق. والسارق من الظالمين.
كل هذا الحوار كان على منظر ومسمع من يوسف. فأمر بالتفتيش. وأرشدته حصافته إلى أن يبدأ برحالهم قبل رحل أخيه، كي لا يثير شبهة في نتيجة التفتيش: {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه}..
ويدعنا السياق نتصور الدهشة بالمفاجأة العنيفة لأبناء يعقوب الموقنين ببراءتهم، الحالفين، المتحدين.. فلا يذكر شيئًا عن هذا، بل يتركه يتملاه الخيال على الصورة التي تكمل رسم المشهد بانفعالاته.. بينما يأخذ في التعقيب ببعض مرامي القصة، ريثما يفيق النظارة وأبناء يعقوب مما هم فيه: {كذلك كدنا ليوسف}.. أي كذلك دبرنا له هذا التدبير الدقيق. {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك}.. فلو حكّم شريعة الملك ما تمكن من أخذ أخيه، إنما كان يعاقب السارق على سرقته، دون أن يستولي على أخيه كما استولى عليه بتحكيم إخوته لدينهم هم. وهذا هو تدبير الله الذي ألهم يوسف أسبابه. وهو كيد الله له. والكيد يطلق على التدبير في الخفاء للخير أو للشر سواء. وإن كان الشر قد غلب عليه. وظاهر الأمر هنا أنه شر يحل بأخيه وهو شر يحل بإخوته لأحراجهم أمام أبيه.
وهو سوء ولو مؤقتًا لأبيه. فلهذا اختار تسميته كيدًا على إجمال اللفظ وبالإلماع إلى ظاهره. وهو من دقائق التعبير. {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك}.. {إلا أن يشاء الله}.. فيدبر مثل هذا التدبير الذي رأيناه. ويتضمن التعقيب الإشارة إلى ما ناله يوسف من رفعة: {نرفع درجات من نشاء}..
وإلى ما ناله من علم، مع التنبيه إلى أن علم الله هو الأعلى: {وفوق كل ذي علم عليم}.. وهو احتراس لطيف دقيق. ولابد أن نقف أمام التعبير القرآني الدقيق العميق: {كذلك كدنا ليوسف.. ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك..}..
إن هذا النص يحدد مدلول كلمة الدين في هذا الموضع تحديدًا دقيقًا.. إنه يعني: نظام الملك وشرعة.. فإن نظام الملك وشرعه ما كان يجعل عقوبة السارق هو أخذه في جزاء سرقته. إنما هذا كان نظام يعقوب وشريعة دينه. وقد ارتضى إخوة يوسف تحكيم نظامهم هم وشريعتهم؛ فطبقها يوسف عليهم عندما وجد صواع الملك في رحل أخيه.. وعبر القرآن الكريم عن النظام والشريعة بأنها الدين..
هذا المدلول القرآني الواضح هو الذي يغيب في جاهلية القرن العشرين عن الناس جميعًا. سواء منهم من يدعون أنفسهم مسلمين وغيرهم من الجاهلين!
إنهم يقصرون مدلول الدين على الاعتقاد والشعائر.. ويعدون كل من يعتقد في وحدانية الله وصدق رسوله ويؤمن بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ ويؤدي الشعائر المكتوبة.. داخلًا في دين الله مهما تكن دينونته بالطاعة والخضوع وإقراره بالحاكمية لغير الله من الأرباب المتفرقة في الأرض.. بينما النص القرآني هنا يحدد مدلول: {دين الملك} بأنه نظام الملك وشريعته. وكذلك دين الله فهو نظامه وشريعته..
إن مدلول دين الله قد هزل وانكمش حتى صار لا يعني في تصور الجماهير الجاهلية إلا الاعتقاد والشعائر.. ولكنه لم يكن كذلك يوم جاء هذا الدين منذ آدم ونوح إلى محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.
لقد كان يعني دائمًا: الدينونة لله وحده؛ بالتزام ما شرعه، ورفض ما يشرعه غيره. وإفراده سبحانه بالألوهية في الأرض مثل إفراده بالألوهية في السماء؛ وتقرير ربوبيته وحده للناس: أي حاكميته وشرعه وسلطانه وأمره. وكان مفرق الطريق دائمًا بين من هم في دين الله ومن هم في: {دين الملك} أن الأولين يدينون لنظام الله وشرعه وحده، وأن الآخرين يدينون لنظام الملك وشرعه. أو يشركون فيدينون لله في الاعتقاد والشعائر، ويدينون لغير الله في النظام والشرائع!
وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، ومن بديهيات العقيدة الإسلامية تمامًا.
وبعض المترفقين بالناس اليوم يتلمسون لهم عذرًا في أنهم يجهلون مدلول كلمة دين الله وهم من ثم لا يصرون ولا يحاولون تحكيم شريعة الله وحدها بوصفها هي الدين. وأن جهلهم هذا بمدلول الدين يعفيهم من أن يكونوا جاهليين مشركين!
وأنا لا أتصور كيف أن جهل الناس ابتداء بحقيقة هذا الدين يجعلهم في دائرة هذا الدين!
إن الاعتقاد بحقيقة فرع عن معرفتها. فإذا جهل الناس حقيقة عقيدة فكيف يكونون معتنقين لها؟ وكيف يحسبون من أهلها وهم لا يعرفون ابتداء مدلولها؟
إن هذا الجهل قد يعفيهم من حساب الآخرة، أو يخفف عنهم العذاب فيها؛ ويلقي بتبعاتهم وأوزارهم على كاهل من لا يعلمونهم حقيقة هذا الدين وهم يعرفونها.. ولكن هذه مسألة غيبية متروك أمرها لله، والجدل في الجزاء الأخروي لأهل الجاهلية عامة ليس وراءه كبير طائل. وليس هو الذي يعنينا نحن البشر الذين ندعو إلى الإسلام في الأرض!
إن الذي يعنينا هو تقرير حقيقة الدين الذي فيه الناس اليوم.. أنه ليس دين الله قطعًا. فدين الله هو نظامه وشرعه وفق النصوص القرآنية الصريحة. فمن كان في نظام الله وشرعه فهو في دين لله. ومن كان في نظام الملك وشرعه فهو في دين الملك. ولا جدال في هذا.
والذين يجهلون مدلول الدين لا يمكن أن يكونوا معتقدين بهذا الدين. لأن الجهل هنا وارد على أصل حقيقة الدين الأساسية. والجاهل بحقيقة هذا الدين الأساسية لا يمكن عقلًا وواقعًا أن يكون معتقدًا به. إذ الاعتقاد فرع عن الإدراك والمعرفة.. وهذه بديهية..
وخير لنا من أن ندافع عن الناس وهم في غير دين الله ونتلمس لهم المعاذير، ونحاول أن نكون أرحم بهم من الله الذي يقرر مدلول دينه وحدوده!..
خير لنا من هذا كله أن نشرع في تعريف الناس حقيقة مدلول دين الله ليدخلوا فيه.. أو يرفضوه..
هذا خير لنا وللناس أيضًا.. خير لنا لأنه يعفينا من تبعة ضلال هؤلاء الجاهلين بهذا الدين، الذين ينشأ عن جهلهم به عدم اعتناقه في الحقيقة.. وخير للناس لأن مواجهتهم بحقيقة ما هم عليه وأنهم في دين الملك لا في دين الله قد تهزهم هزة تخرجهم من الجاهلية إلى الإسلام، ومن دين الملك إلى دين الله!